الجمعة، 10 فبراير 2012

د‏.‏أحمد عكاشة يحلل شخصية مبارك لحظة التخلي عن الحكم‏:‏ المخلـوع أدمن السلطة‏!‏

د‏.‏أحمد عكاشة يحلل شخصية مبارك لحظة التخلي عن الحكم‏:‏ المخلـوع أدمن السلطة‏!‏
أجري الحوار‏:‏ عبد الرءوف خليفة

خضع مبارك لضغوط نفسية قاسية تولدت في تلك اللحظة التي اتخذ فيها قرارا بتخليه عن السلطة‏,
وماجت شخصيته بصراعات إثر إصابته بمرض التوحد الذي أصابه جراء وجوده في الحكم لسنوات طويلة. حاول مبارك مقاومة الضغوط النفسية التي أصبح فريسة لها علي أمل أن يغير الأحداث التي تموج من حوله.. لكن مشاعر الخوف وأمراض الشيخوخة وخليط شخصيته المتناقضة وغيره دفعه للتخلي عن السلطة, في هذا الحوار يبحر الدكتور أحمد عكاشة الرئيس الأسبق للجمعية العالمية للطب النفسي والرئيس الحالي للجمعية المصرية.. في تلك اللحظة التي اتخذ فيها مبارك قرار تخليه عن السلطة.
*************************************************************
> مبارك تعرض لصدمة نفسية قبل اتخاذه قرارا بالتنحي عن السلطة؟
<< الإنسان عموما عندما يقع تحت وطأة ضغوط شديدة تؤدي به إلي فقدان عزيز لديه أو تلقيه لخبر سيئ أو تعرضه لكارثة أو محنة يمر بخمس مراحل ولكل مرحلة خصائص ذات طبيعة خاصة.. الأولي الانكار, والثانية الغضب والثالثة الاكتئاب والأسي والحزن, والرابعة التوافق والخامسة القبول بالأمر الواقع, كل هذه المراحل خاضها مبارك وهو في طريقه لاتخاذ قرار التنحي, واسدال الستار علي حياته السياسية.
مبارك الرئيس كان يعيش حياة مختلفة ينعم فيها بكل السلطات ويوجه دفة الأمور في الاتجاه الذي يريده وتكونت لديه نزعة ملكية صنعت منه شخصية معقدة واتخاذه قرار الرحيل عن السلطة مسألة صعبة, كونه يتخلي عن كل هذه الأشياء التي ظل يمسكها في يده لسنوات طويلة.
ويحضرني في هذا المقام تجربة اللورد أوين الذي بدأ حياته طبيبا نفسيا ثم عمل في الحياة السياسية حتي أصبح وزيرا لخارجية بريطانيا, وفي خضم عمله السياسي لم ينس عمله في الطب النفسي فأصدر متلازمة التعالي.. قال فيها إن من يجلس في موقعه الوظيفي لمدة تزيد علي فترتين يصاب باضطراب نفسي ويتوحد مع الكرسي الذي يجلس عليه خاصة إذا كان يملك في يده مقاليد السلطة المطلقة.. ما بالنا بمبارك الذي جلس كل هذه السنوات الطويلة.. فالأمر يصبح علي نحو صعب وقبوله قضية معقدة ولا يتحقق بسهولة والقرار بإنهائه مسألة غاية في الصعوبة.
******************************************************************
> عندما يصل الانسان الي مرحلة الشيخوخة يفترض أن تصبح قراراته تلقائية غير متمسكة بالسلطة.. تخلي مبارك عن موقعه كان بعيدا عن ذلك الاطار؟
<< قرار مبارك بالتنحي لم يخرج عن هذا التصور المفهوم, بالفعل كان يميل بطبيعة حالته النفسية الي اتخاذ القرار, ولم يكن يفكر فيه رغم توحده مع الوظيفة ورغبته في الحفاظ عليها حتي وفاته.. فقد كان الأقرب اليه علي اعتبار مرحلة الشيخوخة التي يعيش فيها واصابته بأمراض كثيرة كتصلب الشرايين وغيرها من الأمراض التي تضع الانسان تحت وطأة القبول بسياسة الأمر الواقع دون جدال حقيقي.. علي عكس أبنائه وزوجته والمقربين منه.. فهؤلاء يقاومون بشدة ويتمسكون بكل شيء حتي الرمق الأخير.
السلطة في يد هذه النوعية من البشر تصبح كإدمان الهيروين بما يعنيه من قوة اللذة والبهجة التي تأتي من المخ.. السلطة أتاحت له الحياة في مناخ مختلف, وباتت تسرب الي نفسه أحاسيس قوية عندما يفقدها بتصوراته فقد كل شيء حوله.
> تشبيهك لإدمان مبارك للسلطة.. بالهيروين ينطوي علي تصور بذاته؟
<< مبارك لم يكن رئيسا عاديا, وإنما كان يتمتع بسلطات وصلاحيات مطلقة خلفت منه تلك الشخصية التي تملك تلك النزعة الامبراطورية القابضة في يدها علي مقاليد الأمور, وعندما شبهت نشوة السلطة التي وضعها مبارك في يده كنت استند في ذلك الي ان ادمان الهيروين يدفع بالانسان الي الحياة في عالم خاص مليء بلذة وبهجة السلطة المطلقة تمضي في ذات المسار الذي ينطلق فيه ادمان الهيروين والسلطة تفرز من المستقبلات الهيروينية والحشيشية والمطمئنة الربانية المخلوقة في مخ الانسان.. نوعا من اللذة, وفقدانها دفع مبارك لذات الاحساس الذي يشعر فيه المدمن بأعراض انسحاب المخدر من جسده وما يخلقه من آلام نفسية وآلام عضوية واكتئاب وحسرة وضياع وتشويش في الوعي وعدم القدرة علي اتخاذ القرار.. نحن أمام شخصية من نوع خاص ملئية بمكونات معقدة.
> كل هذه الأعراض التي تصفها لم تظهر في طريقه إلي اتخاذ قرار التنحي؟
<< أتحدث عن أعراض ذات طبيعة خاصة قد لا تظهر للعامة, ولكنها تعيش بداخله وتتصارع علي نحو جاد.. وعادة كبرياء الديكتاتور يمنعه من الظهور بمظهر الضعف والهزيمة, وعدم القدرة, علي الاحتمال.. دائما ما يفضل ان يبدو قويا متماسكا كالفرسان الشجعان وقت المعارك القوية وعلينا ان نعلم ان مبارك عندما ذهب في رحلة علاجه لم يفصح عن حقيقة مرضه, وعادة ما كان يخفي الحقيقة عن الرأي العام.. علي اعتبار انه يريد الترسيخ لحقيقة ان حالته الصحية علي خير ما يرام ولا يمكن للمرض أن يهزمه. فتكوينه النفسي غالبا ما يجعله يبعد عن جسده المرض وانه يستطيع ان يهزمه.
هذه هي طبيعة نوعية البشر التي عاشت علي نحو جعلها تملك مفاتيح القوة والسلطة دون ان ينازعه فيها أحد أو تؤثر فيها حدث ولذلك تظل حتي اللحظة الأخيرة غير عابئة بالموقف, أو ما تتعرض له وتلقي بكل الأشياء خلفها, وهكذا فعل مبارك.
*******************************************************************
> نتصور أن عدم إعلان مبارك تنحيه عن السلطة بنفسه يعكس شيئا في شخصيته؟
<< مبارك ديكتاتور وعنيد وامساكه بمقاليد السلطة في يده علي النحو الذي كان سائدا خلق منه تلك الشخصية المركبة وبقاؤه في الحكم كل هذه السنوات الطويلة كفيل أن يصنع منه تلك الشخصية, وانه من الصعب بل من المستحيل علي ديكتاتور في موقفه ان يستسلم بسهولة ويكتب لمسيرته شهادة الوفاة, مبارك كان ينظر الي لحظة التنحي علي انها نهايته التي صنعها لنفسه.
لم يكن الأمر سهلا حتي يخرج مبارك الي الرأي العام ويعلن عليه قرار تخليه عن سلطة البلاد.. هذه لحظة حاسمة لا يود الوصول اليها وعندما وجد مصيره معلقا ولا يستطيع اتخاذ قرار حقيقي يرضي غروره فوافق علي اعلان قرار تخليه عن الحكم من خلال نائبه عمر سليمان.. لانه ليس بمقدوره مواجهة الناس والاعلان علي مسامعهم هذا القرار الخطير بنفسه.
> وفق معطيات شخصية مبارك.. في تقديرك أنه كان يأمل رفض الشعب لقرار تنحيه عن السلطة؟
<< دون جدال, مبارك كان يستخدم في ذلك الموقف قبل وصوله الي قرار التنحي.. كلمات مؤثرة لها وقع خاص في وجدان الشعب ربما يستطيع تجميد الموقف وصور له خياله ان تلك الوسيلة الأفضل علي الاطلاق.. مبارك أخطأ حين سار في ركاب المحيطين به وتأثر بالأفكار التي طرحت عليه وأدت به الي اتخاذ قرارات خاطئة.. مبارك في قراره اللاشعوري كان لديه أمل كبير أن تترك كلماته التي أدلي بها قبل إعلانه التخلي عن السلطة ان يتغير الموقف, وكان لديه ذات الأمل عندما قرر التنحي بأن يتحرك الشعب المصري الطيب الذي يملك من العواطف ما يجعله ينسي الماضي ويطالب ببقائه في السلطة.. هذه هي الورقة الأخيرة التي كان يراهن عليها... مبارك حاول استخدام الجانب العاطفي لدي الشارع حتي يستدر عطفه علي الموقف الذي يعيش تحت وطأته لكنه لم يتمكن من ذلك.
> وقع مبارك تحت تأثير ضغوط نفسية في تلك اللحظة التي اتخذ فيها قرار التخلي عن السلطة؟
<< خضع مبارك في تلك اللحظة لقسوة ضغوط نفسية استسلم لها.. لم يستطع مقاومتها وبدت عليه الحيرة والارتباك أمام مشهد صعب لزوجته وولديه يتصدون له حتي لا يتخذ قرار التخلي عن السلطة اثر الحلم الزائف الذي يعيشون فيه والسطوة والنفوذ ومقاليد السلطة التي يمسكونها في يدهم وفوق كل ذلك ضغوط اخري يمارسها المحيطون به وآراء متباينة تتحدث إليه.
هذا الكم الكبير من الضغوط والصراعات بين مؤيد لاتخاذه قرار التنحي والرافضين له دفعته للحياة في مناخ مليئ بالارتباك والتشويش والحيرة النفسية.. لكن تأثير الواقع الذي يعيش فيه والأحداث التي تفرض نفسها لم تدع له اختيارا آخر كونه كان يفكر في كيفية الحفاظ علي حياته وأفراد أسرته.
> شخصية علي هذا النحو الذي تتحدث عنه من الممكن أن تتسرب الي وجدانها مشاعر الندم علي اتخاذ قرار التخلي عن السلطة فيما بعد؟
<< بكل تأكيد يسيطر عليه في هذا الوقت وفي ضوء مجريات الأحداث مشاعر الندم علي تخليه عن السلطة وعدم دفاعه عن نفسه للبقاء فيها وقد عبر عن ذلك في أحد خطاباته محذرا من الفوضي لو ترك الحكم وكلما زادت الأحداث في المجتمع دموية كان لديه احساس قوي بالسعادة والرضا لما يحدث لانه استطاع ان يثبت للرأي العام قوة بصيرته وقدرته علي التنبؤ بمصير المجتمع عندما يترك مقاليد السلطة.. في ظل تلك الأحداث المؤسفة يسترد مبارك جزءا من استقراره النفسي, وسعادته رغم قسوة الموقف الذي يعيش فيه, وتعرضه للمحاكمة الجنائية, وهذا الإحساس يمتد أيضا الي زوجته وأفراد أسرته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق