الأربعاء، 15 يونيو 2011

الحقيقة والخيال فى محاولات اغتيال مبارك فى 30 عاما

محمود صلاح يرصد ملف «سرى للغاية»: الحقيقة والخيال فى محاولات اغتيال مبارك فى 30 عاما «1»..هل حاول «أبوالعربى» اغتيال مبارك فى بورسعيد؟.. مواطن بسيط غلبته الحماسة أراد تحيته.. فقابله الحرس بالرصاص

الأربعاء، 15 يونيو 2011 - 18:31

محاولة مواطن الوصول إلى مبارك فى بداية تولية  السلطة قابلها حراسه بعنف شديد





محاولة مواطن الوصول إلى مبارك فى بداية تولية السلطة قابلها حراسه بعنف شديد

كثيرة هى الملفات الغامضة فى مصر خلال حكم الرئيس السابق حسنى مبارك، وأخطر هذه الملفات كان ملف محاولات الاغتيال التى تعرض لها الرئيس السابق.. توجد محاولة واحدة فقط معلنة فى أديس أبابا، وأخرى مشكوك فيها فى بورسعيد، ومحاولات اغتيال أخرى تسجلها أوراق سرية لأجهزة مخابرات أو أجهزة الأمن، خاصة فى السنوات الأخيرة التى حاولت هذه الأجهزة أن توحى للرئيس السابق بأن حياته فى خطر.

الكاتب الكبير محمود صلاح يرصد هذه المحاولات.. يبدؤها بمحاولة مشكوك فيها وتحتاج إلى تحقيق جديد، تلك التى عرفت بمحاولة الاغتيال فى بورسعيد، كما يرصد محاولة تفجير طائرة مبارك فى «سيدى برانى» أو «نفق العروبة»، أو المحاولة الأشهر لاغتيال مبارك فى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
> > >
فى مصر أحيط أغلب محاولات اغتيال الملوك والرؤساءالمصريين بالكثير من الغموض والتكتم، رغم أن مصر لم تشهد ملكًا أو رئيسًا لم يتعرض لمحاولة اغتيال أو أكثر.
وقد ظلت ملفات تحقيقات قضايا محاولات اغتيال الرؤساء - ولاتزال - حبيسة أدراج وزارة العدل، يحمل كل منها عبارة تثير الرهبة، وهى.. سرى للغاية!

وحتى هذة اللحظة لا يستطيع أحد الادعاء بأنه يعرف حقيقة وعدد محاولات الاغتيال التى تعرض لها الرئيس السابق حسنى مبارك، سواء داخل مصر أو خارجها.
المؤكد أنه كان هناك أكثر من أربع محاولات لاغتيال حسنى مبارك، محاولتان منها على الأقل كانت علانية، سواء فى أديس أبابا، أو فى مدينة بورسعيد، وإن كانت محاولة «أبوالعربى» ابن بورسعيد، لا يزال الكثير من أسرارها وغموضها وحتى حقيقتها محاطًا بالكثير من الشكوك، وهناك الآن من يؤكد أنها لم تكن محاولة اغتيال ولا يحزنون!
ولكن لكل محاولة لاغتيال الرئيس حسنى مبارك، سواء كانت حقيقية أو مفتعلة أو وهمية، قصة مثيرة بكل تفاصيلها وأسرارها.

بأسلوبه الساخر علّق الكاتب المسرحى الشهير، على سالم، على أخبار محاولة اغتيال الرئيس حسنى مبارك وهو يزور مدينة بورسعيد.
تلك المحاولة التى كان بطلها «أبوالعربى» الذى قيل إنه اندفع من وسط جماهير بورسعيد، التى وقفت لتحية موكب حسنى مبارك، حاملاً فى يده مطواة نحو سيارة الرئيس، فأطلق حرس الرئيس النار عليه وأردوه قتيلاً.
قال مؤلف مدرسة المشاغبين: دى محاولة اغتيال «عرة» أوى.. حد يغتال رئيس جمهورية بمطواة قرن غزال؟!

ولم تكن هذه العبارة الساخرة أو النكتة سوى تجسيد صادق من «على سالم» لصدى وردود أفعال أغلب المصريين تجاه ما سمعوه وقرأوه عن محاولة اغتيال حسنى مبارك فى بورسعيد.
حتى اليوم لا تزال حقيقة قصة محاولة اغتيال حسنى مبارك فى بورسعيد ظهر يوم السبت، الموافق السادس من شهر سبتمبر عام 1999، محل شكوك كثيرة، وملف التحقيقات فى القضية غير معلن رسمياً، وإن كانت أجزاء منه قد تسربت، وكشف الدكتور يحيى الشاعر عن بعضها، وكشف أيضاً عن وجود مدونة على شبكة الإنترنت تحت عنوان «أسرار محاولة اغتيال الرئيس مبارك فى بورسعيد»، كما تعرض لها كتاب الأستاذ المحامى أحمد قزامل «براءة بورسعيد»، والذى أكد أن المواطن البورسعيدى السيد حسين سليمان وشهرته «أبوالعربى» برىء من محاولة الاغتيال المزعومة هذه.

ومحاولة الاغتيال هذه أعلنت عنها وسائل الإعلام والصحافة فى مصر والعالم وقتها، وقالت إن «أبوالعربى» اندفع من وسط الجماهير نحو سيارة الرئيس مبارك، حاملاً مطواة أو زجاجة ماء نار، ورغم تحقيقات القضية التى حملت رقم 1109 لسنة 1999 مصر أمن دولة عليا، فلم يصدقها كثيرون، وأكد بعضهم أن «أبوالعربى» لم يكن يحاول اغتيال حسنى مبارك، ولم يكن يحمل مطواة ولا زجاجة ماء نار، وإنما هو مواطن بسيط أراد أن يحيى حسنى مبارك، واندفع بتلقائية نحو سيارة الرئيس، وهنا تسرع حرس الرئيس مبارك، وبادر بإطلاق النيران على «أبوالعربى» الذى سقط قتيلاً فى الحال.
وبغض النظر عما نشرته الصحافة المصرية الرسمية عن شخصية ودوافع المواطن البورسعيدى «أبوالعربى» الذى دفع حياته ثمناً لكى يصبح شخصية شهيرة، فإن أحداً لم يجرؤ على الزعم بأن هذا الرجل البسيط كانت لديه أى اتجاهات سياسية عدائية، أو أنه حتى كان أداة منفذة يحركها أى أحد أو أية جهة.
فمن كان إذن أبوالعربى؟
على لسان ضباط المباحث أنفسهم، الذين تضمنهم ملف تحقيقات القضية، لم يكن المواطن البورسعيدى السيد حسين سليمان، وشهرته «أبوالعربى» مجرماً فى أى فرع، لم يكن إنساناً خطيراً له ملف سوابق سواء جنائية أو سياسية فى أرشيف المباحث.
فقد أكد المقدم ناصر العروبة محمدين، رئيس مباحث قسم العرب، عند سؤاله أن «أبوالعربى» لا توجد له معلومات مسجلة لدى المباحث، وأنه ليس من المعروف عنه البلطجة، ورغم أنه ملتحٍ، فلا توجد معلومات عن نشاط سياسى له، ولم يسبق اعتقاله من قبل، بل إن ضابط المباحث نفسه لم يشاهد وجه «أبوالعربى» فى قسم شرطة العرب طوال سنوات عمله به، وأن «أبوالعربى» ليس من الخطرين على الأمن العام.
هل يعنى ذلك أن «أبوالعربى» حين خرج من صفوف الجماهير لم يكن يعتزم اغتيال الرئيس حسنى مبارك، سواء بمطواة قرن غزال أو بزجاجة ماء نار؟

هل كان «أبوالعربى» مجرد مواطن بسيط غلبته الحماسة عند مرور موكب رئيس الجمهورية فاندفع فى تلقائية يريد تحية الرئيس، وفى نفس اللحظة تصور طاقم حراسة الرئيس أنها محاولة اغتيال، فأطلقوا عليه الرصاص وقتلوه؟

كانت مدينة بورسعيد قد استعدت أمنياً لزيارة الرئيس، وقام رجال الأمن بالإجراءات الأمنية المعتادة التى تسبق زيارة الرئيس عادة، ونشطوا فى القبض على المشتبه بهم،
وتم بالفعل عمل تحقيق فى 741 حالة اشتباه جنائى، وفحص 58 فندقاً بالمدينة، وأيضاً 515 شقة مفروشة، كما تم ضبط 176 مواطناً يحملون أسلحة بيضاء. وجرى اعتقال ثلاثة بلطجية و11 جندياً هارباً، ومواطن يحمل سلاحاً نارياً.

كل هذه الإجراءات الأمنية استغرقت أسبوعين قبل زيارة مبارك للمدينة، وكان برنامج الزيارة يبدأ بوصول طائرة الرئيس إلى مطار الجميل، ثم تفقد الطريق الدائرى ثم المنطقة الصناعية، واللقاء بأهالى بورسعيد، ثم الاتجاه إلى قاعة الاحتفالات الكبرى فى مقر محافظة بورسعيد.
وقام رجال الأمن بسحب كل السيارات الموجودة على جانب الطريق الذى سيمر فيه موكب رئيس الجمهورية، واحتشدت أعداد كبيرة من أهالى بورسعيد فى شارع 23 يوليو لتحية حسنى مبارك، وكلهم أمل فى أن تؤدى هذه الزيارة إلى إنقاذ بورسعيد من الحالة الاقتصادية المتردية التى وصلت إليها.

وما إن ظهرت سيارة حسنى مبارك حتى اندفع «أبوالعربى» نحوها، بعد أن شق طريقة بين اثنين من الجنود الذين كانوا يقفون أمام الجماهير طوال طريق الموكب، وكان الجنديان يمسك كل منهما بطرف حبل ليمنع الناس من اعتراض طريق الموكب،
لكن «أبوالعربى» لم ينتبه إلى الحبل المشدود بين الجنديين، وتعثر فيه ووقع، وكانت تلك هذه نفس اللحظة التى بادر فيها رجال الحراسة بإطلاق النار عليه!
وهذه الواقعة تحديداً جاءت فى شهادة الجنديين فى التحقيق.
قال الجندى الأول كمال ميخائيل: أنا مجند فى فصيلة النقيب عصام، ووصلنا بورسعيد النهارده الفجر، وسيادة الرئيس كان معدى، وازدحمت الناس علينا، وعاوزين يجروا عليه، واحنا حاولنا نحوشهم، لكن فيه واحد راح نط من فوق الحبل إللى إحنا شادينه، ووقع على الأرض علشان رجله جت على الحبل، ولقيت ضرب نار عليه، وجت عربية إسعاف أخدته ومشيت.
سأله المحقق: ألم تشاهد معه آلة حادة «مطواة» عند سقوطه على الأرض؟
رد الجندى: لا.
عاد المحقق ليسأله: وهل استطاع هذا الشخص الوصول إلى سيارة الرئيس؟
قال الجندى: أنا ما شعرتش إلا لما وقع على الأرض، لما كان عايز يعدى الحبل وضربوه بالنار، فجأة نط الحبل فإحنا شدينا الحبل جامد وده اللى خلاه وقع على الأرض، والحرس بتوع الرئيس ضربوا عليه نار.
أما الجندى الثانى مصطفى محسن عبده فقد قال: كان الجندى ميخائيل ماسك الحبل معى، وكنا شادين الحبل جامد علشان الناس كتير وعايزه تنزل من على الرصيف، وكان الرئيس جاى ومعه عربيات كتيرة.

لقينا واحد من الناس نط من على الحبل، وعايز يوصل لعربيات الرئيس فشدينا الحبل جامد عشان كده وقع على الأرض وهو بينط، ولقينا ضرب نار عليه واتعور وجت عربية إسعاف أخدته ومشيت!
فى نفس اليوم..
أذاعت قناة «الجزيرة» خبراً عاجلاً قالت فيه: تعرض الرئيس حسنى مبارك لمحاولة اغتيال فاشلة فى مدينة بورسعيد الساحلية، حيث اندفع شخص لم يُكشف عن هويته فى ركب الرئيس ممسكاً بآلة حادة يرجح أنها سكين، وحاول طعن الرئيس الذى أصيب بجرح سطحى فى يده، بينما أصيب قائد الحراسة المرافق للرئيس، فى الوقت نفسه استطاع أفراد الحراسة التعامل مع المهاجم وأردوه قتيلاً.

وقالت «الجزيرة»: ولم يكشف البيان الرسمى الذى صدر فى القاهرة عن هوية المهاجم أو انتمائه السياسى، بل لم يعرف حتى الآن اسمه أو جنسيته، ويرجح أن يكون الحادث قد وقع بشكل فردى من أحد الإرهابيين أو المتعاطفين مع الحركات الإرهابية التى نجح الرئيس فى تفكيك هياكلها والقضاء عليها، حيث لم تشهد مصر منذ أكتوبر الماضى أى حادث إرهابى.
ماذا فعل الرئس حسنى مبارك أثناء الحادث؟

تلطخت بذلته من دماء سالت من أحد رجال الحرس، وتم بسرعة إحضار بذلة أخرى، وتطوع كمال الشاذلى بالتخلى عن «كرافتته» وأعطاها لحسنى مبارك.
وقد دفعت مدينة بورسعيد ثمن محاولة الاغتيال التى نُسبت إلى «أبوالعربى»، وبينما قامت وزارة الداخلية بإحالة 14 ضابطاً إلى المحاكمة التأديبية بتهم الإهمال والتقصير، فإن قضية «أبوالعربى» لا تزال غامضة، وتحتاج إلى فتح ملفها السرى من جديد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق